Sunday, March 11, 2012

في ذكرى مرور سنة : زلزال وتسونامي اليابان

..ما أسرع مرور الوقت . أتذكر ما حدث قبل سنة بالضبط منذ الآن وكأنها البارحة

.كانت التجربة الأولى بالنسبة لي أن أشهد كارثة طبيعية بهذا الحجم من الرعب و الدمار
الحادي عشر من مارس 2011 في تمام الساعة 2:46 بعد الظهر . كنت جالسةً على مكتبي في الشركة التي كنت أعمل فيها بدوام جزئي في طوكيو وتحديداً في منطقة تعج بالشركات والأبنية العالية

مقطع ترجمته منذ فترة لبث التلفاز وقت حدوث الزلزال 


كنت غارقة في البرمجة وحولي أكثر من 70 موظف يابانيين آخرين منهمكين بالعمل عندما بدأت الأرض تهتز بشكل خفيف
"زميلي الجالس إلى جانبي "انها تهتز أليس كذلك؟-
أنا "نعم استطيع الشعور بذلك.."  من غير أن أكلف نفسي حتى بأن أزيح نظري عن الشاشة وأنظر تجاهه فالزلازل الضعيفة إلى متوسطة القوة هنا تحدث بشكل دائم وليست شيئاً يستدعي القلق بالنسبة لليابانيين ولا بالنسبة لي بعد خبرة  4 سنوات في هذه البلد 

في الأوضاع العادية لا تزيد فترة الإهتزاز عن ثواني معدودة إلى 10 ثواني في أسوأ الأحوال . ولكن هذه المرة ، الأمر كان مختلفا. الإهتزاز ما زال مستمراً ويزداد قوة تدريجياً
"بضحكة ممزوجة بالتوتر يقول" تبدو قوية هذه المرة-
"أنا "وطويلة أيضاً .. أول مرة يمر علي زلزال بهذا الطول-

فجأة تسقط الساعة عن الحائط ، والاهتزاز يصل إلى قوة جنونية ، وتبدأ الملفات والأشياء تتساقط عن المكتب ، الجميع نهض عن المكاتب. لفت نظري من النافذة  الطريق السريع المرفوع على أعمدة و القريب من المبنى ،، كان يترنح يميناً ويساراً كجذع النخلة !  منظر لن أنساه أبداً
أدركت وقتها أنها ليست واحدة من الهزات (تاعت كل يوم)  ، وفجأة يدخل المدير ويصرخ "الجميع
"!!احتموا تحت المكاتب
فأنزل و ينزل الجميع تحت مكاتبهم و دقات قلبي تتسارع بشكل جنوني. مضت أكثر من دقيقة
" !!والإهتزاز ما زال مستمراً ،فيأتي المدير مرة أخرى: "إخلاء

فيخرج الجميع من تحت مكاتبهم ويسرعون بإتجاه المخرج والدرج بشكل منظم ، أعيد وأكرر ، بشكل منظم من غير أي تدافع
كنت احس بالإزاحة الناتجة من الإهتزاز على الأرض تحتي وأنا متوجهة إلى المخرج . كنت عندما أمشي خطوة أشعر انني قفزت 3 خطوات للأمام. شعور مخيف
وصلنا أخيراً للخارج. قوه الإهتزاز أصبحت أخف لكنه مستمر . لم أشعر بأن الخروج كان أكثر أمناً فالمنطقة فيها الكثير من البنايات العالية بالإضافة إلى الطريق السريع المعلق القريب جداً . أعمدة الإضاءة والشجر والبنايات ، كل شيء يترنح

بالطبع ، الشارع أصبح مليء بالناس الذين خرجوا من المباني الأخرى والجميع يحاولون الإتصال بأهلهم للإطمئنان عليهم لكن إستخدام النقال أصبح مستحيلاً من كثر الضغط على الشبكة . عندما   توقف الإهتزاز عاد الجميع إلى المكتب ، وشبكة الانترنت كانت أبطأ لكنها على قيد الحياة

 حتى هذه اللحظة ،لم يتجاوز الأمر بالنسبة لي انني شهدت زلزالاً كبيراً ومخيفاً وإنتهى.  و لكن من
 هنا تبدأ الأخبار السيئة بالتزايد شيئاً فشيئاً
علمنا وقتها أن مركز الهزة كان في شمال شرق اليابان (منطقة توهوكو ) وأنه كان مدمراً لابعد حدود وأن تحذيراً من موجات تسونامي قد تم اطلاقه لكل سواحل اليابان الشرقية . الجميع ترك العمل وإنهمك برؤية الأخبار على الشبكة

الهزات الارتدادية لم تتوقف أبداً . كانت تتراوح بين الضعيفة والقوية. كان الشعور في ذلك الوقت وكأن اليابان أصبحت سفينة عائمة على الماء في إهتزاز دائم. وتم الأخلاء مرتين آخريتين بسبب الهزات الارتدادية خلال الساعة الأولى بعد الهزة الأساسية

بث التلفاز المباشر أصبح متاحاً على عدة مواقع على الإنترنت كأجراء لجعل المواطنين على علم بآخر المستجدات في حالة طوارئ كهذه
بعد حوالي الساعة تبدأ صور رهيبة تظهر على الشبكة تبين مناطق كاملة تغرق بأمواج التسونامي العاتية، بيوت وسفن وسيارات كل شيء يختلط ببعضه و عائم على الماء وكأنها لقطات من أحد أفلام الخيال العلمي . طوكيو كانت في مأمن من الأمواج ولكنها أصبحت في حالة شلل .فشبكات مترو الأنفاق والقطارات كلها تعطلت لاجرآت السلامة

عند الساعة الرابعة تقريباً ، صدرت تعليمات وأوامر تقضي بأن كل موظف عليه أن يعود إلى بيته، لأن شبكة النقل العام التي يعتمد عليها الغالبية العظمى من سكان طوكيو معطلة والشركة لا تسطيع تحمل المسؤولية في حال حصل مكروه لأي موظف أثناء تواجده في الشركة
بيتي كان يبعد مسافة كبيرة عن الشركة كان من المستحيل أن أعود مشياً إلى هناك. فقررت أن أعود مشياً إلى مختبري في جامعتي التي كنت قد تخرجت منها قبل بضعة أشهر في ذلك الوقت، وأقضي الليلة هناك ، فالجامعة كانت أقرب إلى الشركة من بيتي وأكثر أمناً كمبنى
  فتحت موقع خرائط الجوجل وبحثت عن الطريق من الشركة للجامعة ، طبعت تعليمات الطريق(6 صفحات كاملة) التي ستأخذ 4 ساعات من المشي حسب الجوجل -حفظة و أدامه الله لنا- وانطلقت في رحلتي الطويلة إلى المأوى الوحيد في تلك الليلة العصيبة ، جامعتي .

عندما خرجت من المبنى، كل سكان طوكيو كانوا في الشوارع في طريقهم إلى العودة إلى بيوتهم مشياً ! مئات الألاف من الناس في الشوارع.. كان منظراً غير إعتيادي أبداً .وقتها تذكرت قوله تعالى ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ) . نفس الصورة التي ترسمها الآية الكريمة
والطريف في الموضوع أن الجميع كان يحمل خريطة العودة إلى بيته مطبوعة من الجوجل مابس !  شكراً للتكنولوجيا

كان قد حذرني زميلي بأن اشتري الطعام والشراب في طريق العودة فالناس تصيبهم حالة شرائية جنونية في مثل هذه الكوارث مما يؤدي إلى نقص في المواد الغذائية في المحلات . وفعلاً في طريق العودة ، معظم المحلات التي كنت ادخلها كانت أرففها ممسوحة تقريباً من المواد الغذائية. الماء وبعض البسكويت هو كل ما استطعت شرائه تلك الليلة ، وتناولت العشاء في محل مكدونالدز كان في طريقي بعد إنتظار طويل على الطابور الذي كان يصل لخارج المحل

بعد مشي إستمر أكثر من 5 ساعات وصلت أخيراً إلى مختبري ! (وهو أشبه بمكتب يضم طلاب السنه الرابعة و طلاب الماستر والدكتوراه الذين مواضيعم في البحث العلمي  قريبة..."شبكاتالحاسوب" في حالتنا هذه

وكان هناك  إثنين من طلاب الماستر السنه الأولى ممن لم يستطيعوا العودة لمنازلهم .  وأحدهم لم يكن قد تمكن من الإتصال بأهله والإطمئنان عليهم بعد . امضينا الوقت في رؤية الأخبار ومتابعة أخبار شبكة القطارات التي بقيت معطلة حتى اليوم التالي . قمت أيضاً بالإتصال بأهلي في الأردن من خلال سكايب , والذين كانوا يمرون بوقت عصيب أكثر مني على ما كان يبدو..طمأنتهم على الأوضاع في طوكيو ثم نمت على أمل أن استيقظ لأجد أن كل شيء كان مجرد حلم مزعج لكنني إستيقظت في اليوم التالي على أخبار المفاعل النووي السيئة بعد ليلة لم تكف فيها الأرض عن الإهتزاز

(يتبع (ربما
  

2 comments:

Anonymous said...

حسيت حالي بحضر فيلم!!
كتير حضرت مقاطع فيديو عن هاد الموضوع، وكتير من أصدقائي عاشوا نفس التجربة هناك.
وفي نهاية شهر 8 حضرت فيلم "صلوا لليابان"، كان شعور مزعج لأني طول الفيلم كنت بسمع أصوات الحاضرين بيبكوا بصمت..

أتمنى منك المتابعة يا أماني.

شكرًا جزيلاً على إخبارنا بتجربتك :)

Amani AbuQdais أماني أبوقديس said...

شكراً جزيلاً على متابعتك للمدونة . إن شاء الله سأكمل الموضوع يوماً ما - ربما في الذكرى الثانية :)